اليونيسف تحذر من المخاطر الصحية والتعليمية للأطفال في شرق آسيا وتدعو لتعزيز المدارس والمرافق الصحية وأنظمة الإنذار المبكر
أطفال شرق آسيا يواجهون كوارث الفيضانات والأعاصير: الحياة في الملاجئ والمياه الملوثة
خلال الأشهر القليلة الماضية، عاش الأطفال في منطقة شرق آسيا صدمة كبيرة وغير مسبوقة، حيث وجدوا أنفسهم مضطرين لمغادرة منازلهم التي غمرتها المياه جراء الفيضانات العارمة، أو التي تعرضت للدمار نتيجة الأعاصير العنيفة التي اجتاحت المنطقة. هؤلاء الأطفال، الذين لم يتجاوز العديد منهم سن الطفولة المبكرة، أصبحوا الآن يعيشون في ملاجئ مؤقتة يفتقر بعضها إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة، مجبرين على شرب مياه غير نظيفة، ومحرومين من الذهاب إلى المدارس التي تشكل جزءاً أساسياً من حياتهم اليومية ونموهم التعليمي والاجتماعي.
وقد أطلقت المنظمات الإنسانية والدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، تحذيرات عاجلة بشأن تفشي الأمراض بين الأطفال نتيجة هذه الظروف القاسية، حيث يشكل نقص المياه الصالحة للشرب وانتشار المخيمات المكتظة بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية، وهو ما يزيد من هشاشة الأطفال ويهدد حياتهم وصحتهم على المدى القصير والطويل.
وفي سياق متصل، شهدت خمس دول في جنوب شرق آسيا، وهي إندونيسيا وفيتنام وتايلاند والفلبين وماليزيا، تأثيرات مدمرة نتيجة الأعاصير والفيضانات والعواصف القوية. ففي إندونيسيا، على سبيل المثال، غمرت المياه شبكات إمدادات المياه وتسببت في أضرار جسيمة بها، ما زاد من مخاطر تعرض الأطفال للأمراض. وفي فيتنام، يعاني نحو 480 ألف شخص حالياً من نقص المياه النظيفة، ما يجعلهم عرضة بشكل أكبر للأمراض التي تنتقل عبر المياه الملوثة.
وتشير منظمة اليونيسف إلى أن منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ تُعد من أكثر مناطق العالم عرضة للكوارث الطبيعية، حيث يقف الأطفال في مقدمة المتأثرين بتغير المناخ. هؤلاء الأطفال يختبرون بشكل مباشر زيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة، سواء من حيث شدتها أو صعوبة التنبؤ بها، ويعيشون يومياً تبعات هذه الأزمات على حياتهم الصحية والتعليمية والنفسية.
إن هذه الأزمات تؤكد على الحاجة الماسة إلى تدخلات عاجلة لتوفير المأوى والمياه النظيفة والرعاية الصحية والدعم النفسي للأطفال، لضمان حمايتهم من الأخطار المتزايدة الناتجة عن تغير المناخ والكوارث الطبيعية، ولتمكينهم من مواصلة حياتهم بشكل طبيعي قدر الإمكان وسط هذه الظروف القاسية.
انقطاع التعليم لملايين الأطفال: الفيضانات والعواصف تعطل الدراسة في جنوب شرق آسيا
وأوضحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن الكوارث المناخية المدمرة قد أدت إلى انقطاع التعليم لما يزيد على 4.1 مليون طفل في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، ما يسلط الضوء على حجم الأزمة التعليمية التي يعانيها الأطفال نتيجة الظواهر الجوية القاسية. ففي فيتنام، تعطلت العملية التعليمية لنحو 3 ملايين طالب نتيجة الأعاصير والفيضانات والعواصف الأخيرة التي اجتاحت البلاد، مما أدى إلى توقف الدراسة وحرمان هؤلاء الأطفال من حقهم الأساسي في التعليم. وفي الفلبين، تضرر نحو 919 ألف طفل الشهر الماضي فقط بسبب الفيضانات والرياح العاتية، ولم يتمكنوا من حضور المدارس، ما يعطل مسيرتهم التعليمية ويؤثر على نموهم الأكاديمي والاجتماعي.
أما في إندونيسيا، فقد أُبعد عن مقاعد الدراسة أكثر من 180,700 طالب حتى الآن، حيث تضررت أكثر من 2000 منشأة تعليمية جراء الفيضانات الأخيرة، وما زالت السلطات تحاول تقييم حجم الأضرار بالكامل وتقدير الوقت اللازم لإعادة فتح المدارس واستئناف العملية التعليمية بشكل طبيعي.
وفي سياق متصل، أشارت اليونيسف إلى أن الأطفال في تايلاند أيضاً تأثروا بشكل كبير، إذ اضطر حوالي 90,500 طالب إلى مغادرة فصولهم الدراسية بسبب الفيضانات الأخيرة، في حين تعرض أكثر من 5000 طالب في ماليزيا للانقطاع عن الدراسة منذ بداية موسم الرياح الموسمية.
وأكدت المنظمة أن هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها هؤلاء الطلاب تعطلاً عن الدراسة، إذ يشهد العديد منهم توقف العملية التعليمية للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة خلال العام نفسه، فيما تظل مياه الفيضانات تغمر فصولهم الدراسية وتجعل العودة إلى المدارس أمراً صعباً ومرهقاً نفسياً للأطفال وعائلاتهم.
تسليط الضوء على هذه الأرقام والحقائق يظهر حجم الأزمة التي يواجهها الأطفال في المنطقة نتيجة الكوارث المناخية المتكررة، ويؤكد الحاجة الملحة لتوفير حلول عاجلة لضمان استمرار التعليم وحماية الأطفال من الانقطاع المتكرر عن الدراسة، سواء من خلال إصلاح المدارس المتضررة أو توفير بدائل تعليمية مؤقتة، بالإضافة إلى دعمهم النفسي والاجتماعي لمواجهة تأثيرات هذه الأزمات المستمرة على حياتهم ومستقبلهم.
يونيسف تحذر: أزمة المناخ تهدد صحة وتعليم الأطفال عالمياً
وأشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إلى أن عام 2024 شهد تعطلاً في العملية التعليمية لما لا يقل عن 242 مليون طالب حول العالم في 85 دولة، نتيجة أحداث مناخية قاسية ومؤثرة، تشمل الفيضانات والأعاصير والعواصف الشديدة والجفاف الطويل. وأوضحت المنظمة أن هذه الأحداث لا تؤثر على التعليم فحسب، بل تمتد آثارها لتشمل الصحة والسلامة العامة للأطفال، إذ أن تعطل الخدمات الصحية الأساسية يزيد من مخاطر تفشي الأمراض المعدية، كما يضع الأطفال في مواجهة مباشرة مع أخطار العنف والإهمال، فضلاً عن حالات الانفصال عن ذويهم، ما يفاقم من هشاشة وضعهم النفسي والاجتماعي.
وفي ضوء هذه الأزمات المتصاعدة، دعت اليونيسف إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ومستدامة لحماية الأطفال من تداعيات تغير المناخ. وشددت على أهمية بناء أنظمة مياه مرنة قادرة على تحمل الكوارث الطبيعية، وتعزيز المدارس والمرافق الصحية لتصبح أكثر قدرة على الصمود أمام الطقس القاسي، وذلك لضمان استمرار التعليم وتوفير الرعاية الصحية للأطفال حتى في أصعب الظروف.
كما دعت المنظمة إلى إنشاء أنظمة إنذار مبكر متطورة تمكن السلطات والمجتمعات من حماية الأطفال قبل وقوع الكوارث، وتقليل الخسائر البشرية والمادية قدر الإمكان.
وأكدت اليونيسف في تقريرها أن لكل طفل الحق في التعليم والصحة والأمان والمستقبل، مشددة على أن الفشل في التحرك بشكل عاجل لمعالجة أزمة المناخ سيعني خذلان هؤلاء الأطفال الذين يعانون بالفعل من تأثيرات الكوارث المتكررة.
وقالت المنظمة بصراحة: عندما نتباطأ في مواجهة أزمة المناخ بالسرعة التي تتطلبها، فإننا نترك ملايين الأطفال عرضة للخطر، محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية، ومهددين بفقدان فرصهم في حياة آمنة ومستقبل مستقر.
| Southeast Asian Children Amid Floods and Unsafe Shelters |
وبذلك، تبرز الحاجة الملحة لتحرك عالمي شامل يضمن حماية الأطفال، ليس فقط من آثار الكوارث الطبيعية، بل أيضاً من التداعيات الصحية والاجتماعية والتعليمية المرتبطة بتغير المناخ، بما يضع مصلحة الطفل وحقه في الحياة الكريمة في قلب السياسات والقرارات الدولية.