اتفاق الهدنة يتيح دخول المساعدات ويستبعد عناصر الإخوان من العملية السياسية وسط تزايد المخاوف الإنسانية بعد سقوط الفاشر وتوسع القتال
| White House spokeswoman Caroline Levitt |
قالت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، يوم الثلاثاء، إن الإدارة الأميركية تؤكد التزامها الكامل ببذل كل الجهود الممكنة لإيجاد حل سلمي وشامل للصراع المستمر في السودان. وأوضحت ليفيت أن الحكومة الأميركية تتابع عن كثب تطورات الأوضاع هناك، وتعمل بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين لدعم جهود الوساطة ووقف القتال بين الأطراف المتنازعة.
وأضافت أن واشنطن تؤمن بأن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لإنهاء معاناة المدنيين، وإعادة الاستقرار إلى السودان، مشددة على ضرورة حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين دون عوائق.
وخلال مؤتمر صحافي عقدته، أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت أن الإدارة الأميركية تجري اتصالات منتظمة ومستمرة مع شركائها في العالم العربي من أجل بحث سبل إنهاء الصراع الدائر في السودان. وأكدت أن واشنطن تضع أولوية قصوى للتنسيق الدبلوماسي مع الدول العربية والإفريقية والمنظمات الدولية من أجل دفع جميع الأطراف نحو طاولة الحوار وتحقيق تسوية سلمية تضع حداً للمعاناة الإنسانية المتفاقمة.
وأضافت ليفيت أن الولايات المتحدة تؤمن بضرورة أن يصل هذا النزاع إلى نهاية سلمية تحفظ وحدة السودان واستقراره، إلا أنها أشارت في الوقت ذاته إلى أن الواقع على الأرض يظل بالغ التعقيد، نظراً لتعدد الأطراف المتحاربة وتداخل المصالح الإقليمية والدولية، مما يجعل مسار التوصل إلى حل نهائي أكثر صعوبة ويتطلب صبراً وجهوداً دبلوماسية مكثفة ومتواصلة.
وأشارت كارولاين ليفيت في تصريحها إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تلعب دوراً فاعلاً ومحورياً في الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء الصراع الدامي والمروع الذي يشهده السودان منذ أشهر. وأوضحت أن واشنطن لا تكتفي بمتابعة الأحداث عن بُعد، بل تشارك بشكل نشط ومباشر في مختلف المساعي الدبلوماسية والإنسانية التي تهدف إلى وضع حدٍ للقتال وإرساء سلام دائم في البلاد.
وأكدت ليفيت أن الإدارة الأميركية تعمل جنباً إلى جنب مع الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة الإيغاد، وعدد من الدول العربية والإفريقية المؤثرة من أجل توحيد الجهود وتنسيق المواقف بما يضمن دفع العملية السياسية إلى الأمام. كما شددت على أن الولايات المتحدة ترى أن الحل العسكري لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والمعاناة الإنسانية، داعية جميع الأطراف السودانية إلى الالتزام بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات جادة تضمن مستقبلاً أكثر استقراراً للشعب السوداني.
وفي سياق متصل، أعلن كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط يوم الإثنين أن طرفي النزاع في السودان، وهما الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قد توصلا إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر. وأوضح المسؤول الأميركي أن هذه الهدنة تأتي استناداً إلى الخطة التي وضعتها المجموعة الرباعية، والتي تضم كلاً من الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، وهي الخطة التي تم الإعلان عنها في الثاني عشر من سبتمبر الماضي.
وأشار المستشار إلى أن هذا الاتفاق يمثل خطوة مهمة نحو تخفيف حدة التوتر الميداني وفتح المجال أمام الجهود الدبلوماسية لتحقيق تسوية شاملة للأزمة السودانية، مضيفاً أن الدول المشاركة في المجموعة الرباعية ستواصل مراقبة تنفيذ الهدنة عن كثب، والعمل مع الأطراف المعنية لضمان التزامها الكامل ببنودها، بما في ذلك السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين وتوفير بيئة آمنة للحوار السياسي بين الفرقاء السودانيين.
وأوضح المسؤول الأميركي في تصريحاته التي أدلى بها من العاصمة المصرية القاهرة أن هناك حالياً مناقشات مكثفة تتعلق بالجوانب الفنية واللوجستية الخاصة باتفاق الهدنة، وذلك قبل الوصول إلى مرحلة التوقيع النهائي عليها بشكل رسمي. وأشار إلى أن هذه المباحثات تركز على آليات تنفيذ وقف إطلاق النار، وضمان التزام الطرفين به، إضافة إلى وضع ترتيبات واضحة لعمليات الإغاثة الإنسانية وتأمين الممرات الآمنة للمدنيين.
وأضاف المسؤول أن ممثلي كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع موجودون بالفعل في العاصمة الأميركية واشنطن منذ فترة، حيث يواصلون مشاوراتهم مع المسؤولين الأميركيين ومع أطراف المجموعة الرباعية بشأن تفاصيل الاتفاق. وأكد أن الولايات المتحدة تعمل على تسهيل هذه المحادثات ودعمها لضمان أن تكون الهدنة خطوة حقيقية نحو وقف شامل ومستدام للأعمال القتالية، وتهيئة المناخ الملائم لإطلاق عملية سياسية تجمع كل الأطراف السودانية حول طاولة واحدة.
وأضاف المسؤول الأميركي أن مقترح الهدنة الحالي يشكل فرصة حقيقية ونادرة لوضع حد للأزمة المتصاعدة في السودان، إذا ما التزمت الأطراف المتحاربة بروحه وبنوده. وأكد أن كلّاً من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منخرطان في مناقشات جدية ومفصلة حول ورقة عمل قدمتها الولايات المتحدة الأميركية، بدعم وتنسيق مع دول المجموعة الرباعية التي تضم الإمارات والسعودية ومصر، إلى جانب واشنطن.
وأوضح أن هذه الورقة تتضمن مجموعة من البنود والخطوات العملية الرامية إلى تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق مسار سياسي شامل يمهد لإحلال السلام والاستقرار في البلاد. وبيّن أن المبادرة لا تقتصر على معالجة الجوانب الأمنية والعسكرية فحسب، بل تسعى أيضاً إلى دعم الجهود الإنسانية، وضمان عودة الخدمات الأساسية، وتوفير بيئة مواتية للحوار الوطني الشامل الذي يضمن مشاركة جميع القوى السودانية في رسم مستقبل البلاد.
وتنص خطة المجموعة الرباعية على إقامة هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تهدف بالأساس إلى ضمان وصول المساعدات الإغاثية بشكل آمن إلى جميع المتضررين، فضلاً عن إتاحة الفرصة للشروع في عملية سياسية أوسع خلال فترة تمتد إلى تسعة أشهر. وتشدد الخطة على استبعاد أي عناصر من تنظيم الإخوان المسلمين من المشاركة في هذه العملية، في محاولة لضمان مسار سياسي شامل ومقبول لدى جميع الأطراف، مع التركيز على بناء دولة مستقرة وسلمية في السودان.
ويأتي هذا التطور في ظل مخاوف دولية متزايدة من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، حيث تشير التقديرات إلى مقتل أكثر من 150 ألف شخص، ونزوح نحو 15 مليون نسمة من مناطقهم، إضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية التي تُقدر خسائرها بمئات المليارات من الدولارات. وزادت هذه المخاوف بشكل خاص بعد سقوط مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور، بيد قوات الدعم السريع في 26 أكتوبر، وما تلاه من اتساع نطاق القتال في إقليم كردفان المجاور.
وعلى الرغم من ذلك، أكد قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدتي، أن السيطرة على الفاشر “تدعم وحدة البلاد”، في تصريح يعكس التحديات الكبيرة التي تواجه جهود إعادة الاستقرار في المنطقة، وسط استمرار المعاناة الإنسانية للمدنيين.