هل تمكن فيلم "قتلة زهر القمر" للمخرج مارتن سكورسيزي من تحقيق الأهداف المرجوة؟
"هل نجح مارتن سكورسيزي في فيلمه "قتلة زهر القمر"، الذي يندرج تحت تصنيف الدراما التاريخية، في تقديم صورة مثيرة ودقيقة للمأساة التاريخية؟ وكيف استخدم المخرج العناصر السينمائية، بما في ذلك أداء نجومه روبرت دي نيرو وليوناردو دي كابريو، لنقل القصة بشكل مقنع؟ وهل تمكن الفيلم من الحفاظ على التوازن بين إضفاء الإثارة على الأحداث التاريخية والحفاظ على صدقية السياق التاريخي رغم العناصر الدرامية المضافة؟"
احدات الفيلم:
تتناول أحداث الفيلم الواقع في منطقة جرداء في ولاية أوكلاهوما الأمريكية، حيث يعيش أفراد قبيلة الهنود الحمراء "أوسَيج". يتحوّل كل شيء عندما يُكتشف أن هذه المنطقة النائية تُخبئ إحدى أكبر احتياطيات النفط في الولايات المتحدة الأمريكية. يتدفق المال بشكل كبير، ولكن يكتشف أفراد القبيلة بسرعة أن هذا التغيير يأتي بثمن باهظ يؤثر على حياتهم بشكل سلبي.تنطلق أحداث الفيلم في عام 1919، حيث يصل إرنست بركهارت إلى المنطقة ليجد أن أفراد القبيلة الهندية الحمراء يعيشون حياة ميسورة نسبياً. وفقًا للقانون الذي وضعته السلطات الأمريكية، يتم توزيع أرباح مبيعات النفط نظريًا بين أفراد القبيلة. ولكن عمليًا، يتحكم "الأوصياء"، الذين هم رجال أعمال من أصل أوروبي، المعينين من قبل المحاكم الأمريكية، في تحديد ما يحصل عليه الهنود. يتمتع هؤلاء الأوصياء بسلطة كبيرة في الشؤون القانونية والمالية للهنود الحمر. ولا يستطيع أفراد القبيلة بيع حصصهم، بحيث يتم توريث حق الحصول على إيرادات النفط من جيل إلى جيل.
كما كانت البلدة تعاني من ظاهرة غريبة، وهي مقتل العديد من الهنود الحمر بطرق غامضة، لا تستحوذ على اهتمام الشرطة، ويتوفى آخرون بأمراض غريبة، مما يثير رعب سكان الهنود. يتوجه إرنست بركهارت إلى أحد أقاربه، وليم هيل (روبرت دي نيرو)، رجل أعمال ثري في المنطقة وكان ماسونيًا وشرطيًا فخريًا. يعمل الشاب إرنست كسائق لسيارة أجرة ويتعرف على "مولي" (ليلي غلادستون)، الهندية التي تنتمي إلى عائلة ميسورة.
يُشجع إرنست بركهارت من قِبَل قريبه هيل على التقرب من مولي، وذلك بهدف الزواج منها وتحقيق الريع الذي سيحصل عليه بعد وفاتها المبكرة نتيجة إصابتها بمرض السكري. يظهر فيما بعد أن هيل هو رئيس عصابة متورطة في نهب وقتل الهنود الحمر، وأصبح إرنست جزءًا من هذه العصابة. ينجح إرنست في كسب مشاعر مولي حتى تقع في حبه وتتزوجه.
تتواصل جرائم قتل الهنود الحمر دون تدخل من السلطات المحلية، مما يجعل الهنود يلجأون إلى رجل أعمال بيض ودي للتوجه إلى واشنطن للشكوى لدى السلطات، ولكن يتعرض للقتل في الشارع. عندما تُكلف زوجة إرنست بتوظيف محقق خاص للتحقيق، يتعرض هذا المحقق بدوره للقتل على يد إرنست وآخر في غرفة الفندق. تقوم عصابة هيل بقتل شقيقة مولي، وتزيد الأمور سوءًا بتشريح جثتها من قِبَل الأطباء. يقوم إرنست بتفجير منزل شقيقتها الثانية، وتوفيت والدتها أيضًا بسبب مرض غريب.
لتحقيق هدفها في التركيز على تراث "مولي" من حقوق النفط المتحصلة من ضحايا العصابة، يتجه الهنود إلى العاصمة الأمريكية للقاء رئيس الجمهورية. يستجيب مكتب التحقيقات الفيدرالي بإرسال محققين، مما يثير خوف "هيل" الذي يقوم بتدبير قتل بعض أفراد العصابة. ومع ذلك، يتم القبض على "هيل" و"إرنست" وآخرين، ويتبين للمحققين أن "إرنست" كان يحقن زوجته بمادة سامة يدعي أنها الإنسولين لتسريع وفاتها. يحكم على "هيل" و"إرنست" بالسجن المؤبد، ولكنهما يتم إطلاق سراحهما مبكرًا بقرار خاص من السلطات. وتنتهي أحداث الفيلم.
لتحقيق هدفها في التركيز على تراث "مولي" من حقوق النفط المتحصلة من ضحايا العصابة، يتجه الهنود إلى العاصمة الأمريكية للقاء رئيس الجمهورية. يستجيب مكتب التحقيقات الفيدرالي بإرسال محققين، مما يثير خوف "هيل" الذي يقوم بتدبير قتل بعض أفراد العصابة. ومع ذلك، يتم القبض على "هيل" و"إرنست" وآخرين، ويتبين للمحققين أن "إرنست" كان يحقن زوجته بمادة سامة يدعي أنها الإنسولين لتسريع وفاتها. يحكم على "هيل" و"إرنست" بالسجن المؤبد، ولكنهما يتم إطلاق سراحهما مبكرًا بقرار خاص من السلطات. وتنتهي أحداث الفيلم.
الخلفية التاريخية:
استلهمت القصة من كتاب تاريخي يحمل الاسم نفسه، نُشر في عام 2017، وتركّز على التحقيقات التي قام بها مكتب التحقيقات الفيدرالي الشهير حول هذه الجرائم، مع مراعاة أن اسم المكتب كان مختلفًا قليلاً في ذلك الوقت. ومع ذلك، قام المخرج مارتن سكورسيزي بإجراء تغييرات لتسليط الضوء على معاناة الهنود الحمر بدلاً من انتصارات أجهزة الأمان الأمريكية، بهدف تجنب جعل الفيلم يتناول قضايا "الرجل الأبيض".نجح المخرج في عرض مدى استعباد الهنود الحمر للرجل الأبيض في جوانب حياتهم، حيث يطيعون للقوانين التي وضعها الأبيض ويعتمدون على الأطباء الأبيض. ومع ذلك، فشل الفيلم في تقديم رؤية دقيقة للتاريخ، إذ صور أن جميع حوادث الاغتيال كانت نتيجة لتخطيط وليم هيل وتنفيذ عصابته، دون تبرير لعدم تدخل الأجهزة الأمنية من البداية أو معاقبة الشرطة والأطباء المشتركين في الأنشطة الإجرامية.
ولم يقدم المخرج تفسيرًا لسبب إطلاق سراح رئيس العصابة على الرغم من الحكم بالسجن المؤبد، ولم يشرح السيطرة الكاملة التي كانت تمارسها بعض "الأوصياء" البيض على أموال الهنود الحمر وشؤونهم المالية. يجعل كل ذلك من الضروري على المشاهد أن يستنتج من قراءة تاريخ الفترة لفهم السياق بشكل كامل.
يؤكد المؤرخون أن الحقيقة التاريخية كانت أكثر فظاعة بكثير مما عرض في الفيلم، بل وكانت تمتد لأبعاد أوسع بكثير. لم يكن عدد القتلى من الهنود الحمر قليلاً، بل كان يتجاوز بكثير العدد الذي ظهر في الفيلم، حيث بلغت مئات القتلى. كان غالبًا ما كانوا عديمين العلاقة برئيس العصابة. يُظهر ذلك أن الواقع كان أكثر تعقيدًا وشمولًا بكثير مما قدمه الفيلم. كان الصراع ليس فقط حول الاستيلاء على أموال الهنود الحمر، ولكن أيضًا حول تغيير عاداتهم الدينية والثقافية والاجتماعية، بالإضافة إلى إلحاق أذى بصحتهم.
بدأت الحكاية في سبعينيات القرن التاسع عشر عندما تم إجبار قبيلة "أوسَيج" الهندية الحمراء في ولاية كنساس على الانتقال من مناطقها والانتقال إلى مناطق في ولاية أوكلاهوما بسبب رغبة المزارعين البيض في استغلال أراضيهم. رغم أن السلطات الأمريكية منحت الهنود الحمر حق بيع أراضيهم، إلا أن الوضع كان معقدًا.
يؤكد المؤرخون أن الحقيقة التاريخية كانت أكثر فظاعة بكثير مما عرض في الفيلم، بل وكانت تمتد لأبعاد أوسع بكثير. لم يكن عدد القتلى من الهنود الحمر قليلاً، بل كان يتجاوز بكثير العدد الذي ظهر في الفيلم، حيث بلغت مئات القتلى. كان غالبًا ما كانوا عديمين العلاقة برئيس العصابة. يُظهر ذلك أن الواقع كان أكثر تعقيدًا وشمولًا بكثير مما قدمه الفيلم. كان الصراع ليس فقط حول الاستيلاء على أموال الهنود الحمر، ولكن أيضًا حول تغيير عاداتهم الدينية والثقافية والاجتماعية، بالإضافة إلى إلحاق أذى بصحتهم.
بدأت الحكاية في سبعينيات القرن التاسع عشر عندما تم إجبار قبيلة "أوسَيج" الهندية الحمراء في ولاية كنساس على الانتقال من مناطقها والانتقال إلى مناطق في ولاية أوكلاهوما بسبب رغبة المزارعين البيض في استغلال أراضيهم. رغم أن السلطات الأمريكية منحت الهنود الحمر حق بيع أراضيهم، إلا أن الوضع كان معقدًا.
عندما انتقل أفراد القبيلة إلى الأراضي الجديدة التي كانت مخصصة لهم، اكتشفوا أنها غير صالحة للزراعة. ولكن في بداية القرن العشرين، ظهرت ثروة النفط في تلك المنطقة، مما أدى إلى بداية مأساوية جديدة حيث تم إجبارهم على عدم استغلال معظم الثروة النفطية، بل تم منح حقوق الاستغلال لشركات أمريكية مقابل مبالغ مالية سنوية قليلة.
واتهم بعض المؤرخين الشركات بأخذ كميات من النفط تجاوزت الكميات التي أُبلغ الهنود الحمر بها، واتُهمت الشركات أيضًا بتسميم الموارد المائية في تلك المنطقة. كما فرضت السلطات الأمريكية "الأوصياء" على الهنود الحمر، بحجة أنهم "غير مؤهلين" لإدارة شؤونهم. وفي الحقيقة، كانوا "الأوصياء" رجال أعمال ومحامون بيض محليون تم منحهم سلطة كاملة على الشؤون المالية والقانونية للهنود الحمر.
واتهم بعض المؤرخين الشركات بأخذ كميات من النفط تجاوزت الكميات التي أُبلغ الهنود الحمر بها، واتُهمت الشركات أيضًا بتسميم الموارد المائية في تلك المنطقة. كما فرضت السلطات الأمريكية "الأوصياء" على الهنود الحمر، بحجة أنهم "غير مؤهلين" لإدارة شؤونهم. وفي الحقيقة، كانوا "الأوصياء" رجال أعمال ومحامون بيض محليون تم منحهم سلطة كاملة على الشؤون المالية والقانونية للهنود الحمر.
استغل هؤلاء "الأوصياء" سلطاتهم بشكل فاضح من خلال الاحتيال على الهنود الحمر، مثل سرقة عوائدهم المالية وتزوير وصياتهم وبوليصات التأمين على الحياة. كما كانوا يمتنعون عن إعطاء الهنود الحمر حقوقهم المشروعة. ويعتبر المؤرخون أن "الأوصياء" هؤلاء هم المسؤولون الرئيسيون عن حوادث القتل الغامضة التي تعرض لها الهنود الحمر.
حكم على "هَيل" بالسجن المؤبد عام 1926 بتهمة القتل، لكنه لم يظل في السجن لفترة طويلة حيث تم إطلاق سراحه عام 1947 دون أن يعترف بأي شيء، وكان يلوم قريبه الشاب أرنست، مؤكدًا أنهم كانوا سيصبحون أغنياء لولا شهادته الضرورية. أما بالنسبة لأرنست، فتم حكمه بالسجن المؤبد بتهمة القتل عام 1926، ولكنه خرج من السجن في عام 1937.
حكم على "هَيل" بالسجن المؤبد عام 1926 بتهمة القتل، لكنه لم يظل في السجن لفترة طويلة حيث تم إطلاق سراحه عام 1947 دون أن يعترف بأي شيء، وكان يلوم قريبه الشاب أرنست، مؤكدًا أنهم كانوا سيصبحون أغنياء لولا شهادته الضرورية. أما بالنسبة لأرنست، فتم حكمه بالسجن المؤبد بتهمة القتل عام 1926، ولكنه خرج من السجن في عام 1937.
وبعد ثلاث سنوات، شارك في عملية سطو على منزل شقيقة زوجته السابقة (التي طلقته عندما ألقي القبض عليه) وقام بسرقة سبعة آلاف دولار. تم حكمه بالسجن لمدة سبع سنوات إضافية، وتم إعادة حكم السجن المؤبد السابق ضده. ومع ذلك، خرج من السجن مرة أخرى في عام 1959 وحصل على عفو بسبب دوره في عمليات القتل.
من بين المشاكل الرئيسية للفيلم كانت مدته الزمنية الطويلة التي بلغت ثلاث ساعات وست دقائق، حيث أثر هذا الطول على استقبال الفيلم، خاصةً خلال عروضه في بعض المهرجانات. وقد نام بعض المشاهدين خلال عرضه في مهرجان في فرنسا. وفي دور العرض الأوروبية، قررت بعض القاعات عمل استراحة في منتصف الفيلم، مما أثار استياء الشركة المنتجة لأسباب غير واضحة. وتسببت مدة الفيلم الطويلة في تقليل عدد العروض اليومية في الصالات السينمائية.
تحليل الفيلم:
شهد الفيلم حملة إعلامية غير مسبوقة نظرًا لتأييده لحقوق الهنود الحمر، ولكن هل كان الفيلم حقًا عادلا؟ رغم الحملة الإعلامية الكبيرة والتركيز على قضية حقوق الهنود الحمر، إلا أن هناك جوانب سلبية مهمة غُطِّيت بفعل تلك الحملة.من بين المشاكل الرئيسية للفيلم كانت مدته الزمنية الطويلة التي بلغت ثلاث ساعات وست دقائق، حيث أثر هذا الطول على استقبال الفيلم، خاصةً خلال عروضه في بعض المهرجانات. وقد نام بعض المشاهدين خلال عرضه في مهرجان في فرنسا. وفي دور العرض الأوروبية، قررت بعض القاعات عمل استراحة في منتصف الفيلم، مما أثار استياء الشركة المنتجة لأسباب غير واضحة. وتسببت مدة الفيلم الطويلة في تقليل عدد العروض اليومية في الصالات السينمائية.
يمكن أن يكون السبب وراء قرار بعض دور العرض في أوروبا بإدراج فترة استراحة في منتصف الفيلم هو اعتماد تقنية البث عبر الإنترنت (الـStreaming)، حيث يتاح للمشاهدين مشاهدة الفيلم في منازلهم بشكل يمكنهم فيه إيقاف الفيلم والعودة إليه حسب رغبتهم. وفي الواقع، كانت شركة "أبل" هي الممول الرئيسي للفيلم، وهي من بين أكبر مقدمي خدمات بث الأفلام عبر الإنترنت.
أما سبب عرض الفيلم في دور العرض السينمائي، فقد يعود إلى ترشيحه لجوائز الأوسكار التي تتطلب عرض الفيلم في الصالات السينمائية، مما يشكل دعاية هائلة للعمل ويعزز مكانة المخرج مارتن سكورسيزي ونجوم الفيلم ليوناردو دي كابريو وروبرت دي نيرو وليلي غلادستون.
قد تكون اختيارات الممثلين في الفيلم قد أثارت بعض التساؤلات حول مدى توافق أعمارهم ومظهرهم مع الشخصيات التي قاموا بتجسيدها. كان روبرت دي نيرو، الذي كان في التاسعة والسبعين من عمره، يجسد شخصية في الثامنة والأربعين من عمرها، في حين كان ليوناردو دي كابريو في الثامنة والأربعين من عمره يجسد دور شاب في التاسعة عشرة. وبالنسبة لليلي غلادستون، فقد تم اختيارها لدور زوجة هندية حمراء، لكن تم تسليط الضوء على أن أصلها الأوروبي لم يتناسب مع الشكل المتوقع للشخصية.
وهذه المشكلة تنطبق أيضًا على الممثلين الهنود الحمر الآخرين في الفيلم.
كما يظهر أيضًا استفسار حول اختيار ممثل لدور رئيس فريق التحقيق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، حيث ظهر الممثل جسي بليمنز بطابع خجول ورقيق بشكل مبالغ فيه. ويبدو أن الغرابة تتجلى في اختيار الدور الذي تم اختياره أولاً ليوناردو دي كابريو كرئيس فريق التحقيق ومن ثم تغييره.
هذه الملاحظات تسلط الضوء على التحديات التي يمكن أن يواجهها صناع السينما عند اختيار الممثلين، خاصةً عند تجسيد شخصيات تختلف في العمر والهوية الثقافية.
يُظهر هذا النمط الذي اعتمده المخرج مارتن سكورسيزي في فيلم "قتلة زهر القمر" تشابهًا واضحًا مع أعماله السابقة، خاصة عند مقارنته بفيلمه السابق "الأيرلندي". يتسم الفيلم بالطول الزمني الكبير، حيث بلغت مدته ساعتان وتسع وعشرون دقيقة، واعتمد على أثنين من أشهر نجوم السينما الأمريكية، روبرت دي نيرو وآل باتشينو، اللذين كانا أكبر سناً بكثير من الشخصيات التي قاموا بتجسيدها.
كما يظهر أيضًا استفسار حول اختيار ممثل لدور رئيس فريق التحقيق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، حيث ظهر الممثل جسي بليمنز بطابع خجول ورقيق بشكل مبالغ فيه. ويبدو أن الغرابة تتجلى في اختيار الدور الذي تم اختياره أولاً ليوناردو دي كابريو كرئيس فريق التحقيق ومن ثم تغييره.
هذه الملاحظات تسلط الضوء على التحديات التي يمكن أن يواجهها صناع السينما عند اختيار الممثلين، خاصةً عند تجسيد شخصيات تختلف في العمر والهوية الثقافية.
يُظهر هذا النمط الذي اعتمده المخرج مارتن سكورسيزي في فيلم "قتلة زهر القمر" تشابهًا واضحًا مع أعماله السابقة، خاصة عند مقارنته بفيلمه السابق "الأيرلندي". يتسم الفيلم بالطول الزمني الكبير، حيث بلغت مدته ساعتان وتسع وعشرون دقيقة، واعتمد على أثنين من أشهر نجوم السينما الأمريكية، روبرت دي نيرو وآل باتشينو، اللذين كانا أكبر سناً بكثير من الشخصيات التي قاموا بتجسيدها.
ومرة أخرى، يظهر تحدياً في محاولة جعل وجوه الممثلين الكبار تبدو أصغر سناً باستخدام تقنيات الكومبيوتر، ولكن يبدو أن هذه التقنيات لم تكن قادرة على إخفاء بشكل كامل حركة الممثلين الكبار في السن.
وكما في "قتلة زهر القمر"، استند "الأيرلندي" أيضاً إلى قصة مشهورة مثيرة للجدل. تظهر هذه السمات المشتركة في أعمال سكورسيزي، مما يعكس النهج الفني والسينمائي الذي يفضله المخرج في اختيار مواضيعه وفي تعامله مع الزمن والشخصيات البارزة.
تم صرف مبلغ خمسة عشر مليون دولار على بناء منازل ومحطة قطار تضم ممرات حديدية وقطار بخاري، وتم تصميمها بشكل يشبه مركز المدينة في تلك الفترة. فيما يتعلق بالأحياء السكنية، اتضح للمخرج أن المنازل لا تزال قائمة كما هي، باستثناء تغيير لونها إلى اللون الأبيض الحالي. لذلك قام طاقم الفيلم بإعادة صبغ هذه المنازل بألوانها الأصلية. بعد عرض الفيلم، أبدت عائلة واحدة فقط رغبتها في إعادة صبغ منزلها بلون أبيض.
واكتشف المخرج أيضًا أن المحفل الماسوني الذي صور فيه مشهد معاقبة بركهارت لم يتغير، حيث لا تزال جدرانه سوداء. وقد أشار متخصصو التصوير السينمائي إلى أن الممثلين يظهرون بشكل أفضل عندما يكون الحائط الخلفي لهم ذو لون داكن. وكان الأمر الغريب هو اكتشاف المخرج أن جميع منازل الهنود الحمر في تلك الفترة كانت في مستوى منازل الطبقة المتوسطة على أفضل تقدير، حيث لم تكن هناك قصور أو علامات واضحة للثراء، على الرغم من أنهم كانوا يعيشون على حافة بحيرة النفط.
نجاح الفيلم:
عندما شاهد الكاتب هذه السطور، كان هناك حوالى خمسة عشر متفرجًا فقط في دور العرض بعد ثلاثة أيام من أول عرض للفيلم. يشك كثيرون من النقاد في إمكانية الفيلم تحقيق أرباح كبيرة، على الرغم من الحملة الإعلامية الضخمة التي سبقت عرضه والتي لا تزال في أوجها. حيث تلقت شركة "بارامونت" أجورها لصناعة وتوزيع الفيلم، وتظل الشركة الممولة "آبل" تنتظر عرضه عبر خدمتها على الإنترنت، وربما يكون لديها حظًا أفضل في النجاح. ومع ذلك، يظل فرص الفيلم في الفوز بجوائز الأوسكار كبيرة جدًا.